الاثنين، 19 سبتمبر 2011

المؤمنون ...الكافرون .. المنافقون

 هناك ثلاث صور لثلاث أنماط من النفوس كل نمط منها نموذج حى لمجموعات ضخمه من البشر, نماذج أصيله عميقه متكرره  فى كل زمان ومكان حتى ان البشريه كلها فى كل أعصارها واقطارها لا تخرج عن تلك الانماط الثلاثه .
إن المؤمنين لايحبون شياً كحبهم لله ،لا أنفسهم ولا سواهم, لا أشخاصاً ولا أعتبارات، ولا قيماً من قيم هذه الارض التى يجرى وراءها الناس " والذين آمنوا أشد حباً لله" حباً مطلقاً من كل قيد فهى صله بين المؤمن الحق وبين الله، هى صلة الوشيجه القلبيه والتجاذب الروحى, إن المؤمن ليجد أن الله دائماً معه ويقف بجواره فى كل أموره، " فالله معهم أينما كانوا "، فالمؤمنون فى كنف الله فهو حافظهم" فالله خير حافظاً وهو أرحم الرحمين" .
المتقين هى صفه لمن يريد أن يجد الهدى فى القرآن ولا يشعر به إلا إذا كان ذو قلب سليم, قلب يخشى ويتقى عندئذ يتفتح القرآن عن اسراره وأنواره وتصب صباً فى هذا القلب الذى جاء خائفاً حساساً منفتحاً.
ورد أن سيدنا عمرو بن الخطاب رضى الله عنه سَأل أُبى بن كعب عن التقوى فقال له سيدنا عمرو أنا سلكت طريقاً وأشواك, قال بلى ، قال فما عملت ، قال شمرت واجتهدت، قال فذلك التقوى.
فالتقوى حساسيه فى الضمير وشفافيه فى الشعور, وخشيه مستمره, وحذر دائم, من أشواك الطريق ..المخاوف ..الهواجس .. وأشواك الرجاء الكاذب ..... الخ عشرات من هذه الاشواك تقابل المؤمن الورع فيتخلص منها كما تخلص منها  أُبى بن كعب .
فالمتقين هم صفه للمخلصين من مؤمنِ الأمه وهذا يكون فى كل حين فى زمان الأمه المسلمه .
فهم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاه وينفقون مما رزقهم الله، وهم الذين يؤمنون بما أنزل على سيدنا محمد وهم الذين يؤمنون بما أنزل من قبله وهم الذين يؤمنون باليوم الآخر بيوم البعث بيوم الحساب .
هذا التكامل الواضح الذى تمتاز به العقيده الاسلاميه، منهج للحياه متكامل يعيش الناس فى ظلالها بكل أحاسيسهم .
فالأحساس عند الانسان هو الشعور والادراك أن الوجود أشمل وأعم من الحيز الضيق فهو يدرك حقيقة الوجود الذاتى , حقيقة الوجود الكونى وما وراءه ، ان هناك قدره خارقه وتدبير محكم،ويتلمس الحقيقه من وجوده ووجودها حتى يصل بالبصيره الى أن هناك قوه حقيقيه وراء ذلك, هى حقيقة الذات الألَهيه التى لاتدركها الأبصار ولاتحيط بها العقول . فهو يدرك ماحوله ببصر وبصيره فيُعلمه الله ويُنير طريقه ويدرك مالا يمكن ادراكه بدون أن يتلقى العلم من العليم الخبير الذى يحيط بالباطن والظاهر والغيب والشهاده . عندئذً يتجهون الى خالقهم وخالق الكون كله فيتجهون بالعباده الى رب السماوات والارض الى الله وحده ويرتقون الى عبادة الله لا الى عبادة الاشياء والعباد, فسجودهم وركوعهم لله رب العالمين , عندئذً يشعرون  بقوه وعزه لايدركها ولا يحسها إلا كل ذى عقل راجح وضمير قوى لانه سيكون موصول بخالق المخاليق . 

 { والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } البقره  4,5

هؤلاء المتقون هم الذين يؤمنون بما أنزل عليك يا رسول الله وما أرسل من قبلك "وهذه لم تأتى فى وصف المؤمنين إلا فى القرآن الكريم مع المسلمين"  لأن الايمان بالرسل السابقين هو الشعور بوحدة البشريه ووحدة الديانه ووحدة رسالات الرسل ومنها الى وحدة معبودها , فنجد منها الاطمئنان الى ما أنزل إليك وما ارسل من قبلك, هى اليقين وهى الاطمئنان الى أن الله سبحانه وتعالى يرعى البشريه وهذه الرعايه واضحه كل الوضوح فى أقوال الرسل , أنها رسالات ذات بعدً واحد لدين واحد وهدى واحد .

كما إن المؤمن عنده اليقين بالآخره يشعر إن حياته على الارض هى الطريق للوصول الى الحياه الدائمه أى الحياه الحقيقيه .

واليقين بالآخره هو مفرق الطرق بين من يعيش بين الجدران الحسيه المغلقه  ومن يعيش فى الوجود المديد الرحيب ، بين من يشعر أن حياته على الارض هى كل ماله فى هذا الوجود ومن يشعر أن حياته على الارض ابتلاء يُمهد للجزاء ، وان الحياه الحقيقيه انما هى هناك وراء هذا الحيز الصغير المحدود ، والايمان بالله قمة أبتداء والايمان بالآخره قمة انتهاء فمن لم يؤمن بالآخره يكون ايمانه ناقصاً ،"لذلك يكون الايمان بالله قمة الايمان بدايه ،، والايمان بالآخره قمة الايمان نهايه" .

وكل صفه من هذه الصفات كما رأينا ذات قيمه فى الحياه الانسانيه ومن ثَم كانت هى صفات المتقين ،هناك تساوى وتناسق بين هذه الصفات جميعاً ،وهذا الذى يؤلف منها وحده متناسقه متكامله ، فالتقوى شعور فى الضمير وحاله فى الوجدان تنبثق منها اتجاهات الأعمال ، وتتوحد بها المشاعر الباطنه والظاهره وتصل الانسان بالله فى سره وجهره وتَشف معها الروح فتقل الحُجُب بينها وبين الكلى الذى يشمل عالمى الغيب والشهاده، ويلتقى فيه المعلوم والمجهول ومتى شَفت الروح أزاحت الحُجُب بين الظاهر والباطن ، فإن الايمان بالغيب عندئذ يكون هو الثمره الطبيعيه لأزالة الحُجُب الساتره وأتصال الروح بالغيب والاطمئنان إليه ،ومع التقوى والايمان بالغيب عبادة الله فى الصوره التى أختارها وجعلها صله بين العبد والرب .

الكافرون هم الذين يصرون ولا يتوبون حتى ضياع الفرصه وتنتهى المهله، فأولئك ملاقون ما وعد الله  به من قبل .

 { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ  * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } البقره 161 ،162
فهم بهذا أغلقوا على انفسهم الباب المفتوح وأصروا على الكتمان والكفر والضلال فأولئك عليهم لعنة الله والملائكه والناس آجمعين ، عذاباً لا يخفف ولا يؤجل، انهم ملعونون مطرودون من العباد ومن رب العباد فى الارض وفى الملأ الاعلى على السواء وهذا هو العذاب الأليم المهين 
فالكتاب بداية هدى للمتقين ، هل الكتاب كذلك بالنسبه للكافرين ؟ لا فالأبواب المُفَتَحه عند المتقين مغلقه عند الكافرين .
" ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم " فلا تصل اليها حقيقته ، وعلى ابصارهم غشاوه فلا نور يصل اليها فترى ، بل طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا قلب متفتح ولا أذان تسمع ولا أبصار ترى.
ذلك كله جزاءاً لهم لأستهتارهم فالانذار وعدم الانذار عندهم سواء ، والنهايه الطبيعيه لهذا العناد الذى لا يستجيب للنذير هو طمس القلوب . 
المنافقون صوره لها صفاتها الخاصه فهى تتلوى وتراوغ عن ضلاله وتخفى تاره وتخدع تاره، قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ *فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } .
إن المنافقين يدعون الايمان بالله واليوم الآخر وهم فى الحقيقه ليسوا بمؤمنين لا يجرؤون على التصريح بحقيقة شعورهم فى مواجهة المؤمنين وهم يظنون فى أنفسهم الدهاء والذكاء والخداع، فهم يخدعون البسطاء من الناس ولكن القرآن يصف حقيقة فعلتهم، فهم لا يخدعون الله ولا المؤمنين إنما يخيل إليهم ، إن المنافقين فى غفله بحيث لا يخدعون إلا أنفسهم من غير شعور . 
إن الله بخداعهم عليم ، فهؤلاء الأغفال يخدعون أنفسهم حين يظنون أنهم أربحوها ففى طبيعتهم آفه وفى قلوبهم عله، هم أصحاب قلوب مريضه سقيمه لا يدخلها نور الايمان ولذلك فهى قلوب ضعيفه ليس فيها القوه اللازمه لمعرفة الحق ، وهذا ما يحيد بهم عن الطريق الواضح المستقيم فزادهم الله مرضاً على مرضهم لأن قلوبهم أتعبها النفاق والتنافر مع ماحولها، فهم يستحقون المصير الذى ينتظرهم ولهم عذب أليم بما كانوا يكذبون .
ومن المعروف أن المنافق يجبن عن المواجهه ويتصفون بالكذب والخداع والسفه والادعاء والتآمر فى الظلام لأنهم اعتبروا اللؤم والتآمر قوه لهم، وفى المقابل نجد المؤمن القوى ليس لئيماً ولا خبيثاً ولا غمازاً ولا لمازاً .
الله الجبار يدعهم يتخبطون على غير هدى فى طريق لا يعرفون غايته ولا يعرفون اتجاهه والله القوى يعلم وهم لا يعلمون .
فمصيرهم بشع أشتروا الضلاله بالهدى، فهل هذه هى التجاره الرابحه ؟ بل هم عن أصول التجاره غافلون فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فصورتهم صورة نفس مريضه معقده ملتويه غافله، فالمنافق متواجد فى كل وقت داخل الصف المسلم ويحتاج ذلك الى الكشف عن الاعيبهم ودسائسهم حتى يجنبنا الله من أخطارهم.
  وينتظرهم فى الآخره عذاب أليم غير العذاب الذى عانوه من قلوبهم المريضه فى الدنيا، عذاب أليم أشد من عذاب الكافريين.

{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جزاك الله خيراً يا أبى على هذا الكلام القيم والمجهود الرائع ويجعله لك  الله فى ميزان حسناتك ،،،، بأذن الله 

 



      


 


 

 




 

هناك تعليقان (2):

  1. جل الله هذا الطرح في ميزان حسناتك
    وجعل لك في كل حرف حسنة و الحسنة بعشر امثالها و يضاعف الله لمن يشاء

    ذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين

    ردحذف
  2. آميين .. وشكراً لك وربنا يتقبل منا جميعاً صالح الاعمال

    ردحذف